قل هذه سبيلي
· يعيش عليه الصلاة والسلام معنا دائما وأبدا في مشاعرنا وآمالنا وطموحاتنا.
· يعيش معنا ونحن نراه دائما قدوة و أسوة و إماما و معلما، وأبا ومرشدا وقائدا وأستاذا.
· يعيش معنا وقد أحببناه، فعاش في ضميرنا عظيما، و في قلوبنا رحيما، و في أبصارنا إماما، و في آذاننا مبشرا ونذيرا(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة:33) .
نســـــــينا في ودادك كـــل غـــال
فأنت اليوم اغلــي ما لديــــــــنا
نـلام علـــى محبــــــتكم ويكـــــــــفي
لنـا شـرف نـــلام وما عليـــــــــنا
و لمـا نلـــقكم لــــــــكن شوقــــــــا
يـذكرنــا فكيف إذا الـــتـــقـــــينا
تـسلــي النــــاس بالـــدنيـــا و إنـــا
لــــعــــمر الله بـــعدك ما سلــينا
يكرر القرآن الكريم ذكر هذا الرجل العظيم عليه الصلاة والسلام، الرجل لكن لا كالرجال، يحمل هموم الرجال كل الرجال، الإنسان لكن لا كالناس، يجمع مناقب الناس جميعا. يتحدث عنه القرآن الكريم فإذا هو الخلوق القريب
وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4) و يتحدث عن لينه و سهولته ويسره: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ )(آل عمران: من الآية159) انه الإمام الذي على الأمة كل الأمة أن تذعن لإمامته . إماما في الصلاة، و إماما في الحياة ، وإماما في التربية، و إماما في الاقتصاد ، و إماما في الحرب،(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَاليوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:21)
· يا أمة الإسلام، يا اخوة العقيدة، يا أبناء الرسالة الخالدة، هل يحق لنا عقلا أو شرعا أن نبحث عن غيره، أو أن نتلمس سواه؟ لا.. حرام أن نجعل غيره إماما يقود المسيرة إلي الله، لانه الرجل الذي ختم الله به النبوة في الأرض.
هذا الرسول عليه الصلاة والسلام يعيش لحظات الحياة ودقائق الزمن ، و ثواني الدهر بما يجب أن تعاش.
في الصلاة خاشع، قانت، أبواه منيب
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً) (الإسراء:79) .
وفي الجهاد رجل شجاع، ومقدام صنديد، وبطل بارز.
وقفت وما في الموت شك لواقف
كأنك في جفن الردي وهو نائم
تمر بك الأبطال كلمي هزيمة
ووجهك وضاح وثغرك باسم
(فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ )(النساء: من الآية84).
وعند الإنفاق هو المنفق الباذل السخي الكريم، كما قال بن عباس في الصحيحين
كان رسول الله صلي الله عليه وسلم أجود الناس، و كان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن ، فلرسول الله صلي الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة) .
وفي الفقر صبور متماسك محتسب، و في الرقة والرحمة صاحب الدمعة الحانية والشفقة البالغة.
انه الداعية الذي يدعو إلي الله بصيرة، انه الرسول الذي أتي إلي الأمة الضعيفة المسلوبة المنهوبة المظلومة فرفع رأسها بين الرؤوس ، وبني منبرها بين المناب ، بل اعلي منارتها على كل المنارات .
إن البرية يوم مبعث احمد
نظر الإله لها فبدل حالها
بل كرم الإنسان حين اختار من
خير البرية نجمها وهلالها
لبس المرقع وهو قائد أمة
جبت الكنوز فكسرت أغلالها
لما رآها الله تمشي نحوه
لا تبتغي إلا رضاه سعي لها
أمة وراء إمام هو محمد عليه الصلاة والسلام ،(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الجمعة:2) .(وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (لأنفال:63) .
أتي عليه الصلاة والسلام إلي أمة ترعي ابلها وبقرها و غنمها في الصحراء القاحلة ، صحراء الجوع والظمأ واليأس، فأخرجها ب ( لا اله إلا الله ) إلي ضفاف دجلة والفرات، وبساتين الشام ومصر ،و حدائق الأندلس ، وملاعب الهند والسند، فكبرت هناك، وصلت هناك:
من ذا الذي رفع السيوف
ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا
كنا جبالا في الجبال وربما
صرنا على موج البحار بحارا
بمعابد الإفرنج كان آذاننا
قبل الكتائب يفتح الأمصار
كنا نري الأصنام من ذهب فنهـ
ـــدمها و نهدم فوقها الكفارا
واخرج عليه الصلاة والسلام الأمة من القتل و النهب، و الفتنة والسلب إلي الوئام ، والإخاء؟، و الصفاء والحب،(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران:103) .
( المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يسلمه و لا يخذله ولا يحقره) هذا شعار محمد عليه الصلاة والسلام.
كنا أمة تأكل الميتة، وتشرب الخمر، وتزني ، و تطوف بالصنم، وتعبد الوثن، فاخرجها عليه الصلاة والسلام وجعلها بـ ( لا اله إلا الله) تخطب في الحرمين والأزهر ،و الزيتونة، وقرطبة، و الأموي، وتصلي في جامع صنعاء وكابل والهند والسند .
و هدمت دين الشرك يا علم الهدي
و رفعت دينك فاستقام هناكا
نحن اليوم يا شباب الرسالة ، يا أهل البصيرة، نعيش اكثر من خمسة عشر قرنا مع محمد عليه الصلاة والسلام ، ما زلنا نعيش معه لم يغب عنا أبدا. نعيش معه في الصلاة فيقول: ( صلوا كما رأيتموني اصلي) و نحج فيقول : ( خذوا عني مناسككم) ، فإذا هو معنا دائما و أبدا حتى في دقائق الحياة: تقليم الأظافر، إعفاء اللحية، قص الشارب ، في الطيب، في السواك، في تقصير الثياب ، في أدب المشي ، في دب الكلام، في أدب الجلوس، فأين يغيب عنا عليه الصلاة والسلام؟
أنها أيام الرسول عليه الصلاة والسلام، أنها الأيام التي يجب على الدعاة وطلبة العلم و الشباب أن يعيشوا مساراتها العامة، وجزئياتها الدقيقة ، و أن يجعلوا منها دستورا لأيامهم.
عاش صلي الله عليه وسلم أيام العمر في الأعمال والمهن التي يعيشها غالب الناس، أما رعي الغنم؟ أما رقع الثوب؟ أما حلب الشاة؟ أما كنس البيت؟ أما ضحك وبكي؟ أما صلي ونام؟ أما صام وافطر؟ أما تزوج النساء؟ أما تاجر وسافر؟ أما افتقر فصبر؟ واغتني فشكر؟ بلي... صورة لكل أحد.
حكم الناس فهو قدوة للحكام، و أفتى فهو قدوة للمفتين ، ودعا فهو قدوة للدعاة ، و رعي فهو أستاذ للرعاة، و علم الناس فنون الاقتصاد و الحرب والسلم.
كأنه وهو فرد في جلالته
في موكب حين تلقاه و في حشم
· إن محمدا عليه الصلاة والسلام عاش هذا العمر الطويل ليكون أنموذجا حيا لنا. يقول صلي الله عليه وسلم كما عند مسلم
و الذي نفسي بيده، لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار) . هذا يهودي أو نصراني أما المسلم فليس في الحسبان أن مسلما يصلي و يعترف بـ ( لا اله إلا الله ) ثم يتخذ غير محمد عليه الصلاة والسلام قدوة وإماما .
حارب عليه الصلاة والسلام، حارب الجيوش الجرارة فكان أول مبارز، و أشجع شجاع، تجرح أمامه الكماة ، وتنهزم أمامه الكتائب، ومع ذلك يتواضع لله، ويعلم أن النصر من عند الله، و يغلب جيشه أحيانا، فتكسر رباعيته، ويجرح ويقتل أصحابه أمامه فيقول
إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إليهِ رَاجِعُونَ)(البقرة: من الآية156) ولكنه مع ذلك لا ينهزم، يواصل المسيرة بعزيمة اقوي واقوي .
لبس الجديد عليه الصلاة والسلام إظهارا للنعمة، و ردا على متصوفة الهندوك الذين يرون التقشف وقتل النفس و القضاء على الطموح:
البس لكل حالة لبوسها
إما نعيمها و إما بؤسها
إن الله جميل يحب الجمال(يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ )(لأعراف: 31) . إظهارا للنعمة و دمغا للباطل ، وهو عليه الصلاة والسلام يلبس البالي تواضعا للحق عز وجل . إذا فمن لبس منا الجديد فقدوته محمد عليه الصلاة والسلام، ومن لبس منا البالي فقدوته محمد عليه الصلاة والسلام ، ومن جلس على كرسيه للحكم فإمامه محمد عليه الصلاة والسلام ، ومن باع أو اشتري ، أو سافر ، أو قام ، أو صام ، أو افطر، أو افتقر ، فإمامه محمد عليه الصلاة والسلام.
هو البحر من أي النواحي أتيته
فدرته المعروف و الجود ساحله
· لكن من الناس من يتصور يوم لا يقرا سيرته انه إمام في الصلاة، و انه صلي بالناس الجنائز وصلاة الاستسقاء و صلاة الكسوف، و انه كان يفتي ، و انه من الأنبياء.
لا، بل نقول هذا النبي إمام اعترف حتى أساطين الكفر انه إمام على مستوي العالم.
( مايكل هرت) صاحب كتاب( العظماء المائة) جعل محمدا عليه الصلاة والسلام في المركز الأول ، و يقول في كتابه: إني اعلم أن الأمريكان سيغضبون يوم جعلت محمدا في المركز الأول لكن ماذا افعل؟ قلنا له: أرغم الله أنوف الأمريكان فهو الأول سواء رضوا أم غضبوا.
وكيف يصح في الأذهان شيء
إذا احتاج النهار إلي دليل
محمد عليه الصلاة والسلام تزوج، فيا من انصرف عن الزوجات بحجة البذل في الدعوة والجهاد، محمد اكبر الدعاة واكبر المجاهدين و تزوج(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً)(الرعد:الآية38).
و ضاحك الأطفال، فيا متكبرا لا يسلم على الأطفال، محمد صلي الله عليه وسلم حمل الأطفال وصلي بالأطفال، عن أبي قتادة قال
صلي بنا رسول الله عليه الصلاة والسلام فحمل امامة بنت زينب فكان إذا سجد وضعها، و إذا قام رفعها) ، و عند النسائي عن أبى برة الغفاري إن الرسول عليه الصلاة والسلام صلي بالناس فسجد و أتي الحسن و أعجبه المنظر ، منظر الرسول عليه الصلاة والسلام ساجدا، فامتطي ظهره الشريف، الظهر الطاهر العفيف ، فمكث صلي الله عليه وسلم طويلا لئلا يؤذي الحسن، ثم اعتذر للناس ، و قال: ( إن ابني هذا صعد على ظهري و ارتحلني ، فخشيت أن أقوم فاوذيه، فانتظرت حتى نزل) ، اسمع يا زمن، و سجل يا تاريخ، و انظري يا دنيا، أي إمام هذا الذي عبأ حاجات الناس كل الناس.
إن الرسول عليه الصلاة والسلام صانع الاضياف و حياهم و أتحفهم و بياهم، قاد الأمة فكانت قيادته دستورا للقادة ومنهجا للزعماء ووثيقة للساسة.
· أعود فاقول: اسمع يا زمن، وسجل يا تاريخ، وقف يا دهر: ما هو النبأ الذي هز العالم كل العالم، والذي أوقف التاريخ كل التاريخ، انه مبعثه عليه الصلاة والسلام(عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ(1) عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ (2)الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) (3) (النبأ1-3). ما هو النبأ العظيم؟ هل هو اكتشاف الذرة، أو تفجير الطاقة، أو نسف الجبال، أو تحويل الماء المالح إلي عذب، أو اكتشاف الكهرباء، لا.. بل وصول محمد عليه الصلاة والسلام إلي زمام قيادة العالم.
يا مسلمون تحرك الفلك لمبعثه عليه الصلاة والسلام، و أخذت النجوم ترمي شياطين الجن بقذائف من اللهب لتحرس السماء من التلاعب بالوحي، و يأتي جن الأرض فيسمعون القرآن غضا طريا(قُلْ أُوحِيَ إلي أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً) (الجـن:1) . يقول سيد قطب- رحمه الله – (عَجَباً) حتى الجن يتذوقون القرآن، حتى الجن يفهمون القرآن ، نعم(وَإِذْ صَرَفْنَا إليكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) (الأحقاف:29) .
أتي الجن إلي السماء يريدون أن يصعدوا ليسمعوا أخبار السماء كالعادة، يركب يركب الجني ظهر الجني وتمتد السلسلة بسند جيد إلي السماء فتسمع الوحي، ولكن لما بعث عليه الصلاة والسلام انتهي ذلك الاستماع(وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً) (الجـن:
.(إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) (الشعراء:212) . انه لا ينطق عن الهوى
وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى(1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى(2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى(3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)(4) ( النجم1-3).
إذا تحرك الفلك وتغيرت الدنيا لمبعثه عليه الصلاة والسلام ، و الآن تتوافد قبائل العرب لتنظر إلي هذا العظيم ، وهو في مكة، لباسه عادي لا يساوي ثلاثة دنانير، خبزه الشعير، ينام في بيت متواضع، يقف مع العجوز الساعات الطوال، يحمل الأطفال، يحلب الشاة، لا يجد كسرة الخبز، و مع ذلك تتساقط تحته عروش الظالمين كسرى وقيصر، لماذا؟ لانه كسر بسيوف العدل ظهور الاكاسرة، وقصر برماح التضحية آمال القياصرة .
إن محمد عليه الصلاة والسلام كان بين الناس رجلا، وبين الرجال بطلا ، وبين الأبطال مثلا عليه الصلاة والسلام . تتساقط عروش الشاهنشاهات و الباباوات ، لأنها بنيت على الظلم،(وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً) (الإسراء:81)(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) (الأنبياء:18).
· أيها الإنسان، يا ابن آدم، يا مسلم، يا من يحترم نفسه، إن سعادتك مرهونة باتباعه عليه الصلاة والسلام، إن أبواب الجنة بعد مبعثه أوصدت فلا تفتح إلا لاتباعه على دينه ، وإلا لأنصاره على مبادئه الذين يدعون إلي الله على بصيرة، لا يدعون فحسب ، ولا يخطبون فكفي، ولا يتلاعبون بالألفاظ، ولا يتشدقون، و إنما على بصيرة، علم وعقل، و ثبات وانضباط ، يغلبون المصلحة على المفسدة، يريدون أن يلحقهم الأذى في نفوسهم و في أعراضهم، و لا يلحق الأمة، و لا يلحق الجيل، لتبقي الأمة آمنة مطمئنة في سكينة، لانهم ينصحون لله، و لرسول الله صلي الله عليه وسلم ولكتاب الله ولائمة المسلمين و عامتهم، هؤلاء هم الذين يدعون إلي الله على بصيرة.
يا قوم إن محمدا عليه الصلاة والسلام سيعيش معكم بسنته إذا أردتم انتم أن يعيش معكم ، سوف تجدونه يتحدث إليكم في مجالسكم متى أردتم انتم أن يتحدث إليكم.
انه عالم من المعجزات ( الجذع، الاستسقاء، القمر، الطعام) انه عالم في العبادة ( الصلاة، الصيام، الذكر، الجهاد) انه عالم في الأخلاق( التبسم، التواضع، الصبر، الشجاعة، الكرم) انه عالم في الزهد( المسكن، الطعام، الميراث) انه عالم في التربية( مع المرأة، مع الأسرة، مع الطفل) .
ولكن عفوا التعبير رخيص لا يسعفني أن أتكلم عن محمد عليه الصلاة والسلام. الألفاظ متلعثمة لا أجدها تنساق لي وتنساب لاترجم عن هذا الرجل العظيم الذي ما وفي حقه إلا القرآن .
· قل لنا: ما معني عالم من المعجزات؟ ما معني الجذع والاستسقاء و القمر والطعام؟:
· أما الجذع فخشب، لكن الخشب تفاعل بإذن الله مع محمد عليه الصلاة والسلام ، والحديث عند البخاري عن جابر إن الرسول عليه الصلاة والسلام طلب من امرأة من الأنصار أن تأمر فتاها أن يصنع له منبرا، فصنع له منبرا، فعزل عليه الصلاة و السلام الجذع ، عزله وكتفي بذلك المنبر، فأما ذاك الجذع فحن إلي الرسول عليه الصلاة والسلام وبكي له، ونزل عليه الصلاة والسلام أمام الناس و التزم الجذع وسكته فسكت فأذن الله.
من الذي جعل حب هذا الرسول في قلب هذا الخشب؟ الله الذي لا اله إلا هو، الواحد الأحد الذي أرسل هذا الداعية(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)(يوسف: من الآية108) .
· أما الاستسقاء فخذوا هذه القصة، و قولوا للملاحدة هذا هو التاريخ يشهد(أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) (الطور:15) . وقف صلي الله عليه وسلم يوم الجمعة والسماء صافية وحرارة الشمس على الرؤوس، لا غمام ولا سحاب، و الرسول عليه الصلاة والسلام يتحدث عن التوحيد ، فدخل أعرابي فقال: يا رسول الله، جاع العيال وضاع المال وتقطعت السبل ، فادع الله أن يسقنا الغيث . فرفع رسول الله صلي الله عليه وسلم يديه ودعا: ( اللهم أغثنا، اللهم أغثنا) قال انس كما في البخاري: ( و الله ما في السماء من سحاب و لا قزعة ، فسارت سحابة كالترس فانتشرت في سماء المدينة و أمطرت، فما نزل من المنبر إلا وقد سال السقف فقطر على وجهه الشريف).
وبعد أسبوع و المطر قد غشي المدينة و غطاها يأتي هذا الأعرابي فيقول ذاك الكلام: (جاع العيال و ضاع المال، و انقطعت السبل ، فاسال الله أن يكف عنا القطر) فقال صلي الله عليه وسلم: ( اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الضراب وبطون الأودية و منابت الشجر) فلا يشير إلي جهة إلا نزل الغيث فيها، وخرج الناس في الصحو يمشون.
الله اكبر، الله اكبر، يا لها من معجزات لو عرفها الزنادقة و عملاء الحداثة وأذناب الإلحاد ومرتزقة الفكر.
الله اكبر يا لها من دروس لو وعاها التاريخ، و آمن بها العالم، اهتدت إليها الإنسانية.
· و القمر: يشهد له القمر نه رسول الله(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ(1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) (2) ( القمر1-2).
يخرج على الطواغيت في الحرم، على أبي جهل، و الوليد وفلان وفلان، فيقول
قولوا لا اله الله)، فيقول أبو جهل: لا نؤمن لك حتى تشق لنا القمر، قال: ( لئن شققت لك القمر بإذن الله تؤمن؟) قال: نعم، فدعا صلي الله عليه وسلم فانشق القمر، فقام أبو جهل يقول: سحرنا محمد ، سحرنا محمد، (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ(1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) (2) ( القمر1-2). (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ(14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ)(15)( الحجر14-15) فكان الرد عليهم يوم القيامة ، يوم يريهم الله النار ، يقول لهم
أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) (الطور:15) .
· و الرسول عليه الصلاة والسلام عالم من العبادة.
· الصلاة: يقف منتصف الليل يصلي إلي الفجر فيقول دعاء تنخلع له القلوب ، اسمع إلي دعائه، دعاء بن عباس في الصحيح ، كان يقول عليه الصلاة والسلام: ( اللهم لك الحمد أنت نور السماوات و الأرض و من فيهن، و لك الحمد، أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، و لك الحمد، أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت الحق ووعدك حق، و الجنة حق، والنار حق، و النبيون حق، ومحمد صلي الله عليه وسلم حق).. الحديث.
ويقول كما عند مسلم من حديث عائشة: اللهم رب جبريل ومكائيل و اسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، انك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)
· وعالم في الصيام، يصوم الليالي والأيام العديدة، أربعة وخمسة وستة لا يفطر في ليل ولا نهار، فيقول له الصحابة: انك تواصل يا رسول الله، يريدون أن يواصلوا معه، فيقول صلي الله عليه وسلم: ( أني لست كهيئتكم، أني أبيت ويطعمني ربي ويسقيني) قال بن القيم : ( ما يطعمه الله تبارك وتعالي طعاما حسيا ، و لا شرابا حسيا، إذ لو أطعمه طعاما حسيا وشرابا حسيا ما كان صائما، لكن يطعمه اللطائف و المعارف و الحكم والفتوحات الربانية) قال الشاعر:
فقوت الروح أرواح المعاني
وليس بان طعمت وشربتا
وقال آخر:
لها أحاديث من ذكراك تشغلها
عن الطعام وتلهيها عن الزاد
لها بوجهك نور تستضئ به
ومن حديثك في أعقابها حادي
إذا شكت من كلال السير اوعدها
طيب القدوم فتحيا عند ميعاد
· وعالم في الجهاد، أي معركة فر منها عليه الصلاة والسلام، متى فر؟ ومن قال انه فر؟
يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كنا إذا اشتد الكرب وحمي الوطيس و احمرت الحدق اتقينا برسول الله عليه الصلاة والسلام، فيكون أقربنا إلى القوم:
أنت الشجاع إذا لقيت كتيبة
أدبت في هول الردي أبطالها
و إذا نطقت وفيت فيما قلته
لا من يكذب أقوالها و أفعالها
· وعالم في الأخلاق: شري قلوب العرب بالبسمات، و اسر الأرواح بألبسة الحانية عليه الصلاة والسلام، يقول الله له
وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4).
يأكل على التراب ، و تقول له امرأة : انظروا له يأكل كما يأكل العبد، ويشرب كما يشرب العبد، قال: وهل هناك عبد اعبد مني ؟ نعم.. فرفعه الله، من تواضع لله رفعه، ومن تكبر على الله وضعه.
· أما الصبر فقد عاش الفقر ، وعاش الحروب، و عاش المصائب، أما ماتت بناته؟ أما قتل أصحابه؟ أما شرد من وطنه؟ أما بيعت أملاكه؟ أما أوذي؟ و مع ذلك كان صابرا، صبرا يغلب الصبر.
صابر الصبر فاستجار به الصبر
فقال الصبور للصبر صبرا
(َا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران:200). قيل لعنترة لما غلبت العرب في المعارك؟ قال : بالصبر. وقال أحد الشجعان: كيف تكون صابرا وأنا اصبر منك؟ قال ناولني إصبعك وخذ إصبعي ، فادخل إصبعه في فمه و اخذ إصبع الرجل بفمه وقال: عض و أعض ، فعض ذاك وعض هذا ، فقال ذاك اح فاخرج ذاك إصبعه:
بهمة تخرج ماء الصفاء
و عزمة ما شابهها قول اح
أقسمت أن أوردها حرة
وقاحة تحت غلام وقاح
إما فتي نال المني فاشتفي
أو فارس زار الردي فاستراح
· أما الشجاعة: فهي شجاعة الواثقين من المبادئ، ينام وحول البيت خمسون شابا بالسيوف ، أما هو فلا درع ولا سيف، لا موكب ولا حرس.
عناية الله أغنت عن مضاعفة
من الدروع وعن عال من الاطم
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت
على خير البرية لم تنسج و لم تحم
ويأتي الغار والموت وراءه ،ويذهب إلى الصحراء و سراقة يطارده، يطارده بالسيوف و الرماح فيلتفت لسراقة ويقول: (كيف بك إذا سورت بسواري كسري وقيصر) .
عجبا له في الصحراء وحيدا ويهدد كسري وقيصر؟ مطرودا من مكة و يمني الناس بإمبراطورية كسري وقيصر، نعم انه الطموح.
الطموح الذي يتجاوز حدود الدهر و أبطال التاريخ و آفاق الدنيا، و يأتي سراقة بعد عشر سنوات أو اكثر في عهد عمر فيفتح عمر بإذن الله ملك كسري ، ثم يطوق سراقة بسواري كسري فيبكي و يقول: صدق خليلي، صدق خليلي عليه الصلاة والسلام.
*أما الكرم فقد سأله رجل ثوبه فخلع ثوبه و أعطاه إياه، ما كان يقول لا، وعند احمد في المسند حديث جابر يقول أن أعرابيا قال: يا رسول الله، اعطني مالا. قال : لا،و استغفر الله ، معناه ما عندي مال و استغفر الله من كلمة لا:
ما قال لا قط إلا في تشهده
لو لا التشهد كانت لاؤه نعم
· وهو عالم في الزهد: يقول المستشرق (( برناردشو )) : عجباً لمحمد علي كومة من التراب يتناول فنجان القهوة ويصلح مشاكل العالم ، وما يعلم أن القهوة اكتشفت بعد مبعثه عليه الصلاة والسلام ، لا يهمنا اكتشاف القهوة لكن يهمنا اكتشاف الحكمة والنور الذي حلً به مشاك العامل والحق ما شهدت به الأعداء .
عالم من الزهد يعيشه صلي الله عليه وسلم ويتعامل به مع الناس .
· مسكنه ن غرفة من طين ك كان إذا أوتر كما في البخاري يغمز عائشة ـ رضي الله عنها وأرضاها ت فتكفكف قدميها ليجد مكاناً للسجود .
يأتيه ملك بمفاتيح الدنيا كنوزاً وذهباً وفضة فيقول : خذ ملك الدنيا فيقول : (( لا ، أجوع يوماً وأشبع يوماً حتى ألقى الله )) .
كفاك عن كل قصر شاهق عمد
بيت م الطين أو كهف من العلم
تبنى الفضائل أبراجاً مشيدة
نصب الخيام التي من أروع الخيم
· في الطعام لا يجد أحياناً حفنة من التمر ن هذا الإنسان عليه الصلاة والسلام الذي أدخل بإذن الله محبيه إلى حدائق الأندلس ن وإلى ضفاف دجلة والنيل والفرات ، لا يجد حفنة من التمر!
هذا الرجل الذي ملّك أتباعه بإذن الله ثلاثة أرباع الدنيا ، وأتى هارون الرشيد ـ من أتباعه ـ يقول للسحابة : أمطري حيث شئت فإن خراجك سيأتيني ، لا يجد حفنة من التمر !!!
هذا الرجل الذي أدخل أحد أتباعه وهو قتيبة بن مسًلم فاتحاً لها فيأتي إلى الأصنام فيحرقها؛ لأنها عُبدت من دون الله . قالوا لقتيبة : خذ الأصنام فبعها وانتفع بقيمتها ، قال : لا ، أصنام سُجد لها ن دون الله تحُرق ، قال إقبال :
كـــــنا نــرى الأصــنام مـن ذهــب
فنهــدمها ونـــهدم فـوقـــها الكــفارا
· وهو عالم في التربية
يعتني بالمرأة أشدّ العناية ، فيقف يوم عرفة فيعلن حقوق المرأة ، من الذي أعلن حقوق المرأة ؟! أقاسم أمين ؟ أم هدى شعرواي ؟ أم كمال أتاتورك ؟ كلا ، بل هو محمد عليه الصلاة والسلام ، الذي يقول يوم عرفة ، يتكلم للإنسانية وللزمن : (( الله الله في النساء ؛ ، الله الله في النساء ؛ فإنهن عوان عندكم )) .
ويقول صلي الله عليه وسلم : (( خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي )).
يعيش معها أباً وزوجاً وأخاً ومربيّاً ، يأمرها بالحجاب وهو الذي حرّرها بإذن الله ، أما الذين يدعون حرية المرأة وتحرير المرأة فهم قتلة المرأة ، وهم أعداء المرأة.
جعلوا المرأة سلعة تُباع وتعرض كالأزياء ن وأخرجوها سافرة في الحوانيت والبقالات ومجامع الناس والأسواق .
أخرجوا المرأة وجعلوها تشارك في الجيش وهي ضعيفة ، وتقاتل بالبندقية وهي لطيفة ، وتعارك الجنود وهي شريفة ، فمن الذي حرّر المرأة؟! إنه محمد عليه الصلاة والسلام.
*وعاش مع الطفل مربياً ، معه يوم سقط رأس الطفل إلى الأرض ، أتته فاطمة بنته بالحسن أول يوم ولدته فأذّن في أذن الحسن .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر... الله أكبر ، الأغنية الماجنة ، ولا الصيحات المعربدة ولا الزندقة ولا الإلحاد ، بل ينشأ طفلاً موحداً من أول يوم.
هذا هو محمد عليه الصلاة والسلام ، ولكن والله ـ مهما قلت ـ لا أستطيع أن أوفيه حقّه بأبي هو وأمي ، لكنني أقف معك أيها القارئ الكريم عند عشرة أسباب هامة أدت إلى تفوق هذا الداعية العظيم ، وعلى كل من أراد أن يكون داعية إلى الله على بصيرة أن يفهم هذه الأسباب ثم يبثها في الناس.
أسباب انتصار الداعية الكبير صلي الله عليه وسلم
الأول: التوحيد الصادق و التوكل الذي يحطم زيف الباطل، وينسف ركام الجاهلية.
الثاني: الطموح الذي يتخطي آفاق الزمن و أقطار التاريخ و حدود الدهر.
الثالث: الثبات على المبدأ، ثبات الواثق بالعاقبة، المتأكد من الخاتمة.
الرابع: التعالي على متع الحياة، وبريق المادة، و لموع الأغراض الفانية.
الخامس: البذل والتضحية، بذلا وتضحية كأنها من أساطير الأخبار و لو لا إنها حقائق، و كأنها من نسج الخيال غير إنها ثوابت.
السادس: استصحاب الزاد في الطريق الشاق، زاد من العبادة المتأملة، و الذكر الحي ، و الخشوع العجيب، و التبتل المنقطع النظير.
السابع: التفوق في أسلوب الدعوة، تفوقا تاجه اللين ، لينا يسبي القلوب ويشتري به الأرواح، ويملك به الرقاب عليه الصلاة والسلام.
الثامن: العمل بما يدعو إليه، فإذا جوارحه تسبق لسانه، و دمعاته تسبق عباراته، و إذا هو قرآن يمشي على الأرض ، و قداسة تتحرك على الكوكب.
التاسع: استغلال المواهب، و توجيه القدرات، و الاستفادة من العقول التي استنارت بنور الوحي.
المــصلحون أصـــابع جمـعت يـــــدا
هـي أنـت بل أنت اليد البيضــــاء
العاشر: وعد اتباعه برضا الله وجناته، هذا هو الثمن للتضحيات، وكل ثمن دونه فنما هو غبن لا يساوي الجهد المبذول والتضحية.
ولنأت الآن على شيء من التفصيل حول هذه الأسباب:
الأول: التوحيد الصادق والتوحيد الذي يحطم زيف الباطل ، وينسف ركام الجاهلية.
يقول الله سبحانه
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ )(الفرقان: من الآية58) ويقول عز وجل
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إليكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)(المائدة:الآية67) ويقول سبحانه
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (لأنفال:64) .
أول ميزته التوحيد الخالص وصفاء العقيدة، إذا يا أيها الدعاة، يا طلبة العلم، يا شباب محمد عليه الصلاة والسلام التوحيد أولا، العقيدة أولا، و إنما تميزت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله واكتسبت قوتها وعمقها وأصالتها حتى نفذت إلى القلوب و إلى أقطار التوحيد بأنها صافية ، و أنها على منهج السلف ، و إنها ضاربة في أعماق الكتاب والسنة، فلذلك بقيت إلى اليوم( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ )(الرعد:الآية17) .
· قبل أن ندعو الناس إلى الأخلاق والسلوك، قبل أن نتكلم إليهم عن التربية والأدب والاقتصاد، لا بد أن نتكلم إليهم عن التوحيد، يقول الله تعالي للرسول عليه الصلاة والسلام: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ )(محمد:الآية19). و يقول سبحانه وتعالي: )وَلَقَدْ أُوحِيَ إليكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ(65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (الزمر:66) . فيكون موحدا دائما و أبدا، يأتي إليه الأعرابي من الصحراء وقبل أن يعلمه الوضوء وكيفية الطعام والشراب يقول له قل ( لا اله إلا الله ) يقول صلي الله عليه وسلم لحصين بن عبيد- كما عند أبي داود-( يا حصين كم تعبد؟ قال : اعبد سبعة، قال أين هم؟ قال: ستة في الأرض وواحد في السماء ، قال : ( فمن الذي لرغبك ورهبك؟ قال: الذي في السماء ، قال: فاترك الذي في الأرض و اعبد الذي في السماء).
(قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)(الإسراء:الآية110) . فيعلمه عقيدة أهل السنة والجماعة، العقيدة الرائعة الجميلة الحسنة البديعة، التي يجب على الدعاة أولا أن يدعوا الناس إليها، ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أرسل رسول الله صلي الله عليه وسلم إلى أليمين فقال : ( انك سوف تأتى قوما أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا اله إلا الله و أني رسول الله فان هم أطاعوك فاخبرهم إن الله فرض عليهم خمسة صلوات في اليوم والليلة.....) الحديث، إذا التوحيد أولا.
يقول صلي الله عليه وسلم لابن عباس: ( احفظ الله يحفظك) ويقول صلي الله عليه وسلم في آخر الحديث عن العقيدة: ( و اعلم إن ما اخطأك لم يكن ليصيبك) .
هذا أول عنصر جعل محمدا عليه الصلاة والسلام داعية ناجحا بإذن الله.
يا دعاة، يا طلبة العلم، هذه قضيتنا الكبرى تصحيح معتقد الناس. أما التلفيق أو المسامحة في هذا الجانب، فلا يصلح أبدا ولا تنجح الدعوة فيه أبدا، لان الدعوة أقيمت على التوحيد الخالص.
الثاني: الطموح الذي يتخطي آفاق الزمن و أقطار التاريخ وحدود الدهر.
ينزل عليه الصلاة والسلام على الخندق و قد ربط على بطنه حجرين، فيحفر الخندق... فيضرب الصخرة... فيلمع كالبارقة فيقول: ( رأيت قصور كسري وقيصر و سوف يفتحها الله لي) فيضحك المنافقون، سبحان الله رجل مطوق باليهود و الأحزاب و المنافقين والعملاء والزنادقة، مطوق في المدينة يقول يفتح الله عليه الكنوز والقصور ، ما هذا؟(وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) (الأحزاب:12)، ولكن بعد خمس وعشرين سنة يدخل سعد بن أبي وقاص إلى قصر كسري و إيوانه فيقول: الله اكبر فيتصدع الإيوان.
أليس هذا هو الطموح؟ بلي والله.
ويأتي عليه الصلاة والسلام فيقول للصحابة: ( زويت لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، و إن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها) .
أما دخلت دعوته روسيا؟ و خرج منها من يقول: ( لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك).
أليست هذه دعوته عليه الصلاة والسلام؟ أليس هذا هو الطموح الذي تجاوز الزمن؟
وقد مر معنا قوله صلي الله عليه وسلم : ( يا سراقة، كيف بك إذا سورت بسواري كسري) قالها وقريش تطارده من خلفه، و مع ذلك بقي الطموح.
الثالث: الثبات على المبدأ ، ثبات الواثق بالعاقبة المتأكد من الخاتمة.
الرسول عليه الصلاة والسلام لا يتعامل مع أهوائه ولا يرضي بأنصاف الحلول، يقول المتشدق العنيد أبو جهل: يا محمد تعال نعبد إلهك سنة وتعبد آلهتنا سنة. فأتى الجواب من الله سبحانه وتعالي
قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ(1)لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ(2) وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ(3)وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ(4) وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ(5)لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)(6) (الكافرون: 1-6). أنا منفصل عنكم تماما ولا جسور تمتد بيننا و انتم مشركون، لا حلول... لا حلول إلا بـ ( لا اله إلا الله) هذا هو الحق الصراح الذي لا لبس فيه.
إذا كان من أسباب انتصاره صلي الله عليه وسلم - بإذن الله- الثبات على المبدأ، ثبات الواثق بالعاقبة المتأكد من الخاتمة.
يروي أن الجاهليين أتوا إليه عليه الصلاة والسلام فقالوا: يا محمد سفهت أحلامنا، وسببت آلهتنا ،إن تريد ملكا ملكناك، وان تريد زوجة زوجناك، و إن تريد مالا مولناك ، فلما انتهوا، قال عليه الصلاة والسلام: ( انتهيتم) قالوا: نعم، قال عليه الصلاة والسلام: ( والذي نفسي بيده، لو وضعتم الشمس في يميني والقمر في يساري على أن اترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو اهلك دونه)، هذا هو الجواب، هذا هو الثبات الذي جعله يستمر عليه الصلاة والسلام، لا يرضي إلا أن يتم هذا الدين في الأرض أو يقتل عليه الصلاة والسلام. ولذلك يقول كما في البخاري كتاب الجهاد: ( ولوددت أني اقتل في سبيل الله ثم أحيا ، ثم اقتل، ثم أحيا، ثم اقتل) عليه الصلاة والسلام ، لماذا؟ لتبقي لا اله إلا الله، ليبقي التوحيد، ليسلم الناس لرب العالمين.
ثباته هذا مكنه في الأرض، ونصره بعون الله حتى بلغ الغاية .
إن الذي يقاتل من اجل دنيا أو وطنية ينتهي ويتلاشي ولا يواصل، أما هو عليه الصلاة والسلام فقاتل من اجل أن تبقي راية لا اله إلا الله مرفوعة خفاقة في الأرض .
الرابع: التعالي على متع الحياة وبريق المادة ولموع الأغراض الفانية.
ملبسه متواضع ومسكنه وطعامه لا يريد الدنيا، تؤتي إليه مفاتيح كنوز الدنيا فيقول: ( لا ، اشبع يوما و أجوع يوما حتى القي الله) و اعترض عليه الجاهليون، قالوا
وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلا أُنْزِلَ إليهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً(7) )أَوْ يُلْقَى إليهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً)(
(الفرقان 7-
. أي : ما لهذا الداعية ما عنده دخل مادي، ما عنده راتب ، ما عنده منصب، ما يأتيه اللحم ولا الطعام ولا الملبس ولا خدم ولا حوله مساعدون ولا معاونون، يبيع ويشتري في الأسواق، فقال الله تعالي ردا على أهل الباطل
انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) (الإسراء:48) . ثم قال سبحانه
تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) (الفرقان:10) . لكن له في الجنة قصر كالربابة البيضاء، وله المقام المحمود ، وهو انعم من ينعم في الجنة، بابي هو و أمي عليه الصلاة والسلام، يدعو إلى الله ويقول للامة
قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً)(الأنعام90) أنا لا أتقاضى راتبا شهريا ، أنا لا أريد مادة، أنا لا أسألكم أجرا، ما سألتكم من اجر، خذوا دراهمكم ، خذوا دنياكم، خذوا دنانيركم، خذوا بيوتكم، خذوا هداياكم، أنا أريد أن تبقي لا اله إلا الله ، وتنتصر لا اله إلا الله، و لذلك انتصر لما صدق مع الله.
خـــذوا كــل دنــياكم واتركـــوا
فؤادي حرا طـليقا غريـــــــبا
فـــانـــي أعـظمـكم ثـــروة و إن
خـلتمـــوني وحيدا ســليــبا
· يقول فيما صح عنه عليه الصلاة والسلام: ( مالي وللدنيا، إنما مثلي ومثل الدنيا كرجل قال في ظل شجرة ثم قام وتركها) .
ويقول عليه الصلاة والسلام لاحد اتباعه ومحبيه- كما في البخاري – ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) .
وقال في حديث صححه بعض أهل العلم: ( ازهد في الدنيا يحبك الله، و ازهد فيما عند الناس يحبك الناس) ، فإذا هو الزاهد عليه الصلاة والسلام، وإذا هو الذي يعطي ولا يأخذ لئلا يكون لاحد من الناس منة عليه صلي الله عليه وسلم ، و يموت عليه الصلاة والسلام وميراثه بغلة، ودرع وسيف، بعد كل هذا التاريخ، و كل هذا الدستور، وكل هذه المسيرة ويترك بغلة ودرعا وسيفا.. ثم يقول صلي الله عليه وسلم : ( نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة).
الخامس: البذل والتضحية، بذلا وتضحية كأنها من أساطير الأخبار لو لا أنها حقائق، وكأنها من نسج الخيال غير أنها ثوابت.
يقول الله له في القرآن الكريم
يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ(1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) (2) (المزمل1-2) ، فقام وما جلس ، و جاهد و ما استكان، قام ثلاثا وعشرين سنة، ليله دموع وخشوع وبكاء، و نهاره صلاة وصيام وجهاد وبذل وتضحية، ثلم في عرضه، ثلم في جسمه، ثلم في رسالته، و مع ذلك يستمر ويضحي ويدفع دمه و دموعه ووقته و ماله عليه الصلاة والسلام.
· إذا على الدعاة الذين يدعون إلى الله على بصيرة، أن يعرفوا انهم سوف يدفعون الثمن غاليا والمهج والأرواح رخيصة في سبيل الله، فهذا الرسول عليه الصلاة والسلام، يدمي عقبه فيقول: ( اللهم اغفر لقومي فانهم لا يعلمون).
يروي أن ملك الجبال أتاه فقال، أتريد أن أطبق على قريش الاخشبين، فقال صلي الله عليه وسلم : ( لا .. أني أسال الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئا). فيخرج الله من أصلابهم من صلب أبي جهل عكرمة، ومن صلب الوليد خالد، و من صلب فلان الميت، فلان الحيي (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ)(الروم: الآية19). و تكسر ثنيته ويقتل أصحابه ويشرد من وطنه، ويكذب ويطارد، و مع ذلك يري انه ما بذل شيئا .
إن كان سركم ما قال حاسدنا
فما لجرح إذا أرضاكم ألم
في آخر هذا المطاف، وبعد هذا البذل والتضحية يقول الله تعالي له
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً) (3) ( النصر1-3) ،و لو بذلت ما بذلت فاستغفر الله، إن منن الله اعظم مما قدمت و أعطيت.
فيا معشر الدعاة، مهما بذلتم وأعطيتم، فان نعم الله وأيادي الله افضل واعظم مما بذلتم وقدمتم للامة.
السادس: استصحاب الزاد في الطريق الشاق، زاد من العبادة المتأملة، والذكر الحي، والخشوع العجيب، والتبتل المنقطع النظير.
لقد جعلت الثقافة الغربية من دعاتها أناسا يحملون من العلوم في أذهانهم سلات مهملات،(يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) (الروم:7)، (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ) (النمل:66) ، يعلمون كل شيء إلا الآخرة ، ويعرفون كل شيء إلا الدين، وذلك لا اثر لهم في قلوب الناس ولا حياة الناس.
· أما محمد عليه الصلاة والسلام، فاعطي الجزء الأكبر من وقته للعبادة، لأنها الزاد والطاقة التي تجعل كلمته حارة، صادقة، مخلصة، تصل إلى القلوب،و لا تموت الكلمات إلا يوم تموت القلوب، ولا تموت الكلمات إلا يوم تموت القلوب، ولا تموت المبادئ إلا يوم تموت الأعناق بالمنن، ولا تموت المناهج في الأرض إلا يوم يموت أصحابها في الأطماع والشهوات، فلا يبقي الله لهم أصلا ولا ذكرا.
لقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقوم الليل اكثر من ست ساعات، يقوم معه أحد محبيه واتباعه وهو حذيفة- رضي الله عنه- فما يستطيع أن يواصل، ويقوم ابن مسعود فيقول: هممت بأمر سوء ، قالوا: ما هممت؟ قال: هممت أن اجلس و ادعه.
ويصوم عليه الصلاة والسلام فيواصل، ويذكر الله دائما فلا يفتر لسانه، فيكون مدده زادا من العبادة، و توجها من الطاعة، لان الله عز وجل يطلب منه أن يكون عابدا مهما انشغل بشواغل الحياة أو بمشاغل الناس.
السابع:التفوق في أسلوب الدعوة تفوقا تاجه اللين، لينا يسبي القلوب ويشتري به الأرواح، ويملك به الرقاب عليه الصلاة والسلام.
و أنا أقول اليوم: إن هذه الصحوة المباركة صحوة معتدلة، صحوة متأنية، صحوة منضبطة في العموم الغالب، لا يحكم عليها بالتطرف أبدا، وليس التطرف في الصحوة الإسلامية ظاهرة، حاشا و كلا ، ربما أتت صور لا يخلو منها البشر، أما في العموم والسواد الأغلب فهي صحوة منضبطة عاقلة، متزنة تعرف الكتاب والسنة، و تتعامل مع الواقع بحكمة، وهي بإذن الله أساس سعادة البلاد والعباد، وهي بإذن الله تبشر بالخير، لماذا؟.. لأنها صحوة قامت على التوحيد، ولأنها صحوة جعلت محمدا عليه الصلاة والسلام إمامها ، ولأنها صحوة جعلت أياديها في أيادي علمائها، و التفت حول القيادة العلمية الراشدة في هذه البلاد، ولذلك فهي تسير بخطي مطمئنة إلى الله عز وجل.
· إن التطرف في غير الصحوة، إن هناك تطرفا غير ديني يسمي التطرف اللاديني ، التطرف اللاديني في الاستهزاء بالدين،في السخرية من الصالحين، في الحداثة، في الزندقة، في بيع القيم، في الهجوم على المرأة، في إخراجها سلعة، في التشدق والسخرية بالكتاب والسنة، في السفر للخارج للمعصية، في الكأس والغانية، هذا هو التطرف اللاديني .
أيها المسلمون: كان عليه الصلاة والسلام لينا، و الله يقول له
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ )(آل عمران: من الآية159) . و أنا أقول وانتم تقولون معي: لن ننجح في دعوتنا إلا باللين، إن الله أرسل موسى عليه السلام مع هارون إلى فرعون فقال لهما
فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طـه:44).
تــغمدنــي بنصــحك فـــي انفـــــرادي
وجــنبني النـصيحــة في الــجمــاعة
فان النــصح بـــين الـناس نـــوع
مـن الــتوبـيخ لا ارضـــي اســتماعه
فان خالــــفتني وعصـيت أمـري
فـلا تـجزع إذا لم تعـــــط طـــاعة
و الله عز وجل يقول للرسول عليه الصلاة والسلام
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)(فصلت: من الآية34)، وفعلا دفع بالتي هي احسن، فأتي أعداؤه، وأتى الذين قاتلوه في المعارك، أتوا يبكون يوم الفتح بين يديه، ويقولون
قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ) (يوسف:91)، لقد تفوق، تفوق باللين، هل سمعتم بكلمة نابية صدرت منه صلي الله عليه وسلم ؟ هل جرح المشاعر؟ هل سب وشتم؟ لا والله، لقد كان صلي الله عليه وسلم متأدبا، كان ينزل الناس منازلهم، و ما كان يفضح الناس، و ما كان يشهر بالعصاة، كان صلي الله عليه وسلم يقوم على المنبر فيقول: ( ما بال قوم يفعلون كذا وكذا) فيفهم المخطئ انه اخطا ولا يدري الناس أن المخطئ فلان بن فلان، إنها حكمة(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(النحل: من الآية125) .
الثامن: العمل بما يدعو إليه، فإذا جوارحه تسبق لسانه، ودمعاته تسبق عباراته، و إذا هو قرآن يمشي على الأرض، وقداسة تتحرك على الكوكب.
كان يقول للناس: (صلوا) وهو أول المصلين، ويقول: ( اخشعوا) وهو أول الخاشعين، يقول : (صدقوا) وهو أول الباذلين، و( يجاهد) ويدعو إلى الجهاد وهو الذي يحمل السيف في أول الصفوف ، لذلك لام الله عز وجل دعاة بني إسرائيل المتلاعبين بالألفاظ، و مرتزقة الفكر الذين يقولون ما لا يفعلون
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَاب