وقفة مع الشعر الوطني عند فدوى طوقان
وقفة مع الشعر الوطني عند فدوى طوقان
بوفاة الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان فقدت الساحة الأدبية الفلسطينية رائدة من رائدات الأدب العربي والفلسطيني .شاعرة داست مُعظم عقود القرن العشرين وكرَّست لنفسها مكانة مُميزة في عالم الأدب والشعر
ونحن في وقفتنا التالية مع الشاعرة فدوى طوقان نختار جانبا هاما ً في شعرها وفي حياتها الحافلة بالتجارب الأنسانية والمُعبِّرة عن مُثابرة وطموح عظيمين رغم الظروف الصعبة التي عايشتها منذ طفولتها كما بانت في سيرتها الذاتية ...ألا وهو شعرُها الوطني ,وهو جانب لا ندّعي أنه يُطرق لأوّل مرة .بل ان الشاعرة فدوى طوقان نالت حظّها من الدراسة والتحليل لشعرها في حياتها أكثر مما ناله غيرها من الشُّعراء.
ومع أن رسم خطٍّ فاصل بين الشعر الوطني وغيره من أغراض الشعر الأخرى يُمكن أن يكون من الصُّعوبة بمكان عند كثير من الشُّعراء الفلسطينيين . الا أن المُتصفِّح لدواوين فدوى طوقان لن يجد كبير عناء في رزم قصائدها الوطنية واخراجها من عموم مجموعاتها الوجدانية الأنسانية الأخرى ,وان تبقّى هنا وهناك نُتفاً من المشاعر والدفقات الشعورية بين ثنايا القصائد الأخرى .
وهذا أمر سيتيح معرفة بدايات التوجه الوطني عند فدوى طوقان .والذي يبدو أنه لم يبدأ الا بعد كارثة ضياع فلسطين عام 1948 ..ذلك الضّياع الذي حلّ بفلسطين وأهلها وقد جاوزت الشاعرة آنذاك الثلاثين من عمرها .وتُعتبر قصيدتا( بعد الكارثة) و (مع لاجئة في العيد) اللتان ضمهما ديوان (وحدي مع الأيام) بدايات التفات الشاعرة نحو الهم الوطني العام .فهي في قصيدة( بعد الكارثة )تنتابها الدهشة والحيرة أمام صمت الأمّة العربية حيال ضياع الجزء الأكبر من فلسطين :
أين الألى استصرختُهم ضارِعا تحسبهم ذراك والمُعتصم
وما بــالـهـم قد حـال من دونهم ودون مأساتك حسًّ أصمّ
كما تستنهض أمَّتها العربية ، ولا تفقد الأمل بحتمية بزوغ الثورة وانطلاقها من معاناة الشعب الفلسطيني :
ستنجلي الغمرة يـــــا مـوطــني ويمسح الفجر غواشي الظُلم
لـــكــن للــــثـأر غـــداً هبّــــة جارفة الهول عصوف عـمـم
الا أنّ قراءة مُتأنية لهذه القصيدة لا تُشعر بعُمق عاطفة تقترب من هول الكارثة وعظم المُصاب الذي يبدو أن الشاعرة لم تكن قد استوعبته بعد.أما قصيدة( مع لاجئة في العيد ) فهي أولى محاولات الشاعرة لتلمُّس مشاعر منكوبي فلسطين وتصوير مأساتهم ، وذلك بمُقارنة حالهم بين الخِيام ، ونبش ذاكرتهم واسترجاع ما كانوا فيه من أمن واستقرار في قُراهم ومدنهم :
أختــــاه مــالك ان نظــرت الى جُموع العابرين
ولمحت أسراب الصبايا من بنـــات المُترفــيــن
أطرقت واجمة كأنك صــورة الألـــم الــدفـــيـن
أختاه أيّ الذكريات طــغـت علـيـك بـفــيـضــها
وتدفَّقت صُــوراً تُثــيــرُك في تــلاحُــق نبضهـا
ويُلاحظ أن الشاعرة قصرت أثر المأساة على اللاجئة وحدها ، اذ لم تُشاركها همَّها ومأساتها ،بل انشغلت في اجهاد نفسها بتصوير مشاعر اللاجئة، فهي تُصوِّرها تِمثالا ً صامتا :
وأراك ما بين الخـيـام قـبـعـت تــمــثـــالا شــقِـيــا
مُتهالكا يــطــوي وراء جــموده الــمــاً عــتـــيــا
وتُقارن بين ما حياه تلك اللاجئة من ضياعٍ وتشتُّت . وبين ما ينعم به المُترفون المُتنعِمون من أبناء شَعبها الذين انهمكوا باستقبال العيد دون أن يلتفِتوا الى مأساة تلك اللاجئة ، كما تستعيد معها ذكريات العيد في يافا حيث مظاهر الفرح المُعتادة :
أتُرى ذكرت مباهج الأعياد في يـافـــا الـــجــمــيلة ؟
أهفت بقلبك ذكــريات الـعـيــد أيــام الـــطــفــولـــة؟
اذ أنت تنطـلقــين بـيـن متلاعـب البـلــد الــحـبـيـب
تتراكضين مع اللــدات بــمـوكـب فــرح ٍطـــروب.
وهذه مقارنة لا يبدو أنها في صالح اللاجئة وقضيّتها بقدر ما هي لفت لنظر الشاعرة نحو الطبقة الاجتماعية والسياسية التي انغمست ومصالحها بعيدا عن واقع مأساة شعبها, في وقت كان فيه الأولى انشغالها بتناقضها مع العدو الرئيس للجميع . حتى أن الشاعرة كادت تجعل ما حل ّباللاجئة من بُؤسٍ وعار حكر على اللاجئة وحدها دون غيرها:
واليوم ماذا الــيوم غــيـر الذكــريــات ونــارهـــا
واليوم مـاذا غــيـر قصـة بــؤ سـكُـــن وعــارهــا
مع أن العار عار الجميع ، والبُؤس بؤس الجميع ، الأمر الذي لم تنساه الشاعرة في قصيدتها رغم صدق عاطفة الشاعرة ومُحاولة تلمُّس أثر المأساة الا أنها لم تتمكّن من سبر غور اللاجئين واستبطان مشاعرهم. فكانت عاطفتُها سطحية ،عاطفة تعبّر عن انفعال لحظي لم يتجذر في النفس ، جاء كرد ّفعل لُمشاهد ومُراقب لم يعش الحدث ولم يُعايش أو يُخالط أصحابها المتأثرين بها مُباشرة :
هل يعرف الأعياد أو أفراحها روحٌ طــريــد
عان تُقلّبه الحـيـاة على جــحــيــم قِــفــارهــا